فصل: الكشف الحديث عن {إرم ذات العماد}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الكشف الحديث عن {إرم ذات العماد}:

* في سنة 1984م زود أحد مكوكات الفضاء بجهاز رادار له القدرة على اختراق التربة الجافة إلى عمق عدة أمتار يعرف باسم جهاز رادار اختراق سطح الأرض Ground Penetrating Radar Or GPR فكشف عن العديد من المجاري المائية الجافة مدفونة تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربا إلى أواسط آسيا شرقا.
وبمجرد نشر نتائج تحليل الصور المأخوذة بواسطة هذا الجهاز تقدم أحد هواة دراسة الآثار الأمريكان واسمه نيكولاس كلاب Nicholss Clapp إلى مؤسسة بحوث الفضاء الأمريكية المعروفة باسم ناسا (NASA).
بطلب للصور التي أخذت بتلك الواسطة لجنوب الجزيرة العربية، وبدراستها اتضح وجود آثار مدقات للطرق القديمة المؤدية إلى عدد من أبنية مدفونة تحت الرمال السافية التي تملأ حوض الربع الخالي، وعدد من أودية الأنهار القديمة والبحيرات الجافة التي يزيد قطر بعضها عن عدة كيلو مترات.
وقد احتار الدارسون في معرفة حقيقة تلك الآثار، فلجأوا إلى الكتابات القديمة الموجودة في إحدى المكتبات المتخصصة في ولاية كاليفورنيا وتعرف باسم مكتبة هنتنجتون Huntington Library، وإلي عدد من المتخصصين في تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم وفي مقدمتهم الأمريكي جوريس زارينز JurisZarins والبريطاني رانولف فينيس Ranulph Fiennes وبعد دراسة مستفيضة أجمعوا على أنها هي آثار عاصمة ملك عاد التي ذكر القرآن الكريم أن اسمها (ارم) كما جاء في سورة الفجر، والتي قدر عمرها بالفترة من 3000 ق. م. إلى أن نزل بها عقاب ربها فطمرتها عاصفة رملية غير عادية. وعلى الفور قام معمل الدفع النفاث بكاليفورنيا (معهد كاليفورنيا للتقنية) (The Jet Propulsion Laboratories، California Instituteof Technology، J.P.L) بإعداد تقرير مطول يضم نتائج الدراسة، ويدعو رجال الأعمال والحكومات العربية إلى التبرع بسخاء للكشف عن تلك الآثار التي تملأ فراغا في تاريخ البشرية، وكان عنوان التقرير هو: البعثة عبر الجزيرة The Trans-Arabia Expedition وتحت العنوان مباشرة جاءت الآيتان الكريمتان رقما 8، 7 من سورة الفجر، وقد أرسل إلي التقرير لدراسته، وقد قمت بذلك فعلا وقدمت رأيي فيه كتابة إلى المسئولين بالمملكة العربية السعودية، وقد ذكر التقرير ان اثنين من العلماء القدامى قد سبق لهما زيارة مملكة عاد في أواخر حكمها، وكانت المنطقة لا تزال عامرة بحضارة زاهرة، والأنهار فيها متدفقة بالماء، والبحيرات زاخرة بالحياة، والأرض مكسوة بالخضرة، وقوم عاد مستكبرون في الأرض، ويشكلون الحضارة السائدة فيها، وذلك قبل أن يهلكهم الله تعالى مباشرة، وكان أحد هؤلاء هو بليني الكبير من علماء الحضارة الرومانية (والذي عاش في الفترة من 23م إلى 79م)، والآخر كان هو الفلكي والجغرافي بطليموس السكندري الذي كان أمينا لمكتبة الإسكندرية. (وعاش في الفترة من 100م إلى 170م تقريبا)، وقام برسم خريطة للمنطقة بأنهارها المتدفقة، وطرقاتها المتشعبة والتي تلتقي حول منطقة واسعة سماها باسم (سوق عمان).
ووصف بليني الكبير حضارة عاد الأولى بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى على وجه الأرض، وذلك في ثرائها، ووفرة خيراتها، وقوتها، حيث كانت على مفترق طرق التجارة بين كل من الصين والهند من جهة وبلاد الشام وأوروبا من جهة أخرى، والتي كانت تصدر إليها البخور والعطور والأخشاب، والفواكه المجففة، والذهب، والحرير وغيرها.
وقد علق كثير من المتأخرين على كتابات كل من بليني الكبير وبطليموس السكندري بأنها ضرب من الخرافات والأساطير، كما يتشكك فيها بعض مدعي العلم في زماننا ممن لم يستطيعوا تصور الربع الخالي، وهو من أكثر أجزاء الأرض قحولة وجفافا اليوم، مليئا في يوم من الأيام بالأنهار والبحيرات والعمران، ولكن صور المكوك الفضائي جاءت مطابقة لخريطة بطليموس السكندري، ومؤكدة ما قد كتبه من قبل كل منه ومن بليني الكبير كما جاء في تقرير معهد الدفع النفاث.

.إرهاصات قبل الكشف عن إرم:

* في سنة 1975 م تم اكتشاف آثار لمدينة قديمة في شمال غربي سوريا باسم مدينة (إبلا) (Ebla) تم تحديد تاريخها بحوالي 4500 سنة مضت، وفي بقايا مكتبة قصر الحكم في هذه المدينة القديمة وجدت مجموعة كبيرة من الألواح الصلصالية (حوالي 15، 000 لوح) تحمل كتابات بإحدى اللغات القديمة التي تم معرفة مفاتيحها وتمت قراءتها.
* في عددها الصادر بتاريخ ديسمبر 1978 م نشرت المجلة الجغرافية الأهلية (National Geographic Magazine).
مقالا بعنوان ''Ebla: Splendor of anunknown Empire''(vol.154، no6، pp731.-759). لكاتب باسم (HowardlaFay).
جاءت فيه الإشارة إلى أن من الأسماء التي وجدت على ألواح مدينة إبلا الاسم إرم على أنه اسم لمدينة غير معروفة جاء ذكره في السورة رقم 89 من القرآن الكريم.
* بعد ذلك بعام واحد (أي في سنة 1979 م) نشر اثنان من غلاة الصهاينة هما: حاييم برمانت وميخائيل ويتزمان (haim Bermantand Michael Wetzman). كتابا بعنوان: (Ebla-ARevelation In Archaeology).
ذكرا فيه أسماء ثلاثة وجدت مكتوبة على ألواح الصلصال المكتشفة في (إبلا) هي: شاموتو (أو ثمود)، و(عاد)، و(إرم) وذكرا أن هذه الأسماء الثلاثة ذكرت في السورة رقم 89 من القرآن الكريم.
وأضاف هذان الصهيونيان أن (ثمود) اسم قبيلة ذكرها سارجون الثاني (SargonII). في القرن الثامن قبل الميلاد، بينما الإسم (إرم) قد اختلف فيه فمن المؤرخين من اعتبره اسما لإحدى القبائل، ومنهم من اعتبره اسما لمكان، أما عن الاسم الثالث (عاد) فقد اعتبراه اسما أسطوريا، وهذا من قبيل تزييف التاريخ الذي برع فيه الصهاينة منذ القدم، وقد سبقهم في ذلك جيش من مزيفي تاريخ الجزيرة العربية على رأسهم ThomasBertram الذي نشر في الثلاثينيات من القرن العشرين كلاما مشابها.
* في يوليو سنة 1990 م تشكل فريق من البحاث في وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) برئاسة (CharlesElachi) ومن معهد الدفع النفاث (J.P.L) برئاسة (RonaldBlom) للبحث عن (إرم ذات العماد) تحت رعاية وتشجيع عدد من الأسماء البارزة منها: (Armand Hammar، SirRanulphFiennes، GeorgeHedges).
ولكن البحث تأجل بسبب حرب الخليج.

.بعد الكشف عن إرم:

* في يناير سنة 1991م بدأت عمليات الكشف عن الآثار في المنطقة التي حددتها الصور الفضائية واسمها الحالي الشيصار واستمر إلى مطلع سنة 1998م وأعلن خلال ذلك عن اكتشاف قلعة ثمانية الأضلاع سميكة الجدران بأبراج في زواياها مقامة على أعمدة ضخمة يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار وقطرها إلى 3 أمتار ربما تكون هي التي وصفها القرآن الكريم.
* في 1992:2:17 م نشر في مجلة تايم (Time).
الأمريكية مقال بعنوان (Arabia ص sLostSandCastle By Richard Ostling).
ذكر فيه الكشف عن إرم.
* بتاريخ 1992:4:10م كتبت مقالا بعنوان اكتشاف مدينة إرم ذات العماد نشر بجريدة الأهرام القاهرية لخصت فيه ما وصلني من أخبار ذلك الكشف حتى تاريخه.
* في سنة 1993م نشر بيل هاريس كتابه المعنون (BillHarris: Lost Civilizations).
* بتاريخ 1998:4:23م نشر (Nicholas Clapp). كتابه المعنون TheRoadtoUbar:
* بتاريخ 1999:6:14 م نشر بيكو إير (PicoIyer). كتابه المعنون (Falling off The Map: Some Lonely Placesin The World).
وتوالت الكتب والنشرات والمواقع على شبكة المعلومات الدولية منذ ذلك التاريخ، ولكن تكتم القائمون على الكشف نشر مزيد من أخباره حتى يتمكنوا من تزييفه وإلحاقه بأساطير اليهود كما فعلوا من قبل في لفائف البحر الميت وآثار (إبلا) وغيرها من المواقع، ولكن كل ما نشر- على قلته- يؤكد صدق ما جاء بالقرآن الكريم عن قوم عاد بأنهم:
(1) كانوا في نعمة من الله عظيمة ولكنهم بطروها ولم يشكروها ووصف بليني الكبير لتلك الحضارة بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى كأنه ترجمة لمنطوق الآية الكريمة (التي لم يخلق مثلها في البلاد).
(2) أن هذه الحضارة قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية وهو ما سبق القرآن الكريم بالإشارة إليه.
(3) أن هناك محاولات مستميتة من اليهود لتزييف تاريخ تلك المنطقة ونسبة كل حضارة تكتشف فيها إلى تاريخهم المزيف، ولذلك كان هذا التكتم الشديد على نتائج الكشف حتى يفاجئوا العالم بما قد زيفوه، ومن ذلك محاولة تغيير اسم (إرم) إلى اسم عبري هو أوبار (Ubar).
هذه قصة (إرم ذات العماد) مدينة قوم عاد، التي جاءت الكشوف الأثرية الحديثة بإثبات ما ذكر عنها في القرآن الكريم. وإن كان نفر من الأقدمين قد حاول إنكار ذلك تطاولا على الله وكتابه، فإن نفرا من المحدثين قد حاول إنكاره تطاولا على العلم وأهله في زمن يتكلم فيه الرويبضة كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويبقي ما جاء في القرآن الكريم من ذكر لقوم عاد ولمدينتهم {إرم ذات العماد}، ولما أصابها وأصابهم من دمار بعاصفة رملية غير عادية صورة من صور الإعجاز التاريخي في كتاب الله تشهد له بصفائه الرباني، وإشراقاته النورانية، وبأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالحمد لله على نعمة القرآن، والحمد لله على نعمة الإسلام، والصلاة والسلام على الرسول الخاتم الذي تلقاه وجاهد في سبيله حتى أتاه اليقين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين. اهـ..

.تفسير الآيات (15- 20):

قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ونعمه فَيَقول رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقول رَبِّي أَهَانن(16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ على طَعَامِ الْمسكينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لما (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه أن عادة هؤلاء الفرق كانت الطغيان، وذكر أن عادة الرب سبحانه فيمن تولى وكفر أنه يعذبه كما هدد به آخر تلك، ودل على ذلك بما شوهد في الأمم، وعلل ذلك بأنه لا يغفل، ذكر عادة الإنسان من حيث هو من غير تقييد بهؤلاء الفرق عن الابتلاء في حالي السراء والضراء، فقال مشيراً إلى جواب ما كانت الكفار تقوله من أنهم آثر عند الله من المسلمين لا يساعد عليهم في الدنيا وتقلل الصحابة رضي الله عنهم من الدنيا مسبباً عما مضى عطفاً على ما تقديره: هذه كانت عادة هؤلاء الأمم وعادة الله فيهم: {فأما الإنسان} أي الذي أودع الحجر ليعقل هذه الأقسام وما يراد منه من اعتقاد المقسم عليه بها وجبل على النسيان والأنس بنفسه والمحبة لها والرضى عنها.
ولما كان المقصود التعريف بحاله عند الابتداء، قدم الظرف الدال على ذلك على الخبر فقال: {إذا} وأكد الأمر بالنافي فقال: {ما ابتلاه} أي عامله معاملة المختبر بأن خالطه بما أراد مخالطة تميله وتحيله {ربه} أي الذي أبدعه وأحسن إليه بما يحفظ وجوده ليظهر شكره أو كفره {فأكرمه} أي بأن جعله عزيزاً بين الناس وأعطاه ما يكرمونه به من الجاه والمال {ونعمه} أي بأن جعله متلذذاً مترفاً بما أعطاه غير تعبان- بسببه {فيقول} سروراً بذلك وافتخاراً: {ربي} أي الموجد لي والمدبر لأمري {أكرمن} أي فيظن أن ذلك عن استحقاق فيرتفع به {وأما} هو {إذا} وأكد على نمط الأول فقال: {ما ابتلاه} أي ربه ليظهر صبره أو جزعه.
ولما كان قوله في الأول {فأكرمه ونعمه} كناية عن (فوسع عليه) قابله هنا بقوله: {فقدر} أي ضيق تضييق من يعمل الأمر بحساب وتقدير {عليه رزقه} فهو كناية عن الضيق كما أن العطاء بغير حساب كناية عن السعة، فجعله بمقدار ضرورته الذي لا يعيش عادة بدونه، ولم يجعله فيه فضلاً عن ذلك ولم يقل (فأهانه) موضع {قدر عليه} تعليماً للأدب معه سبحانه وتعالى وصوناً لأهل الله عن هذه العبارة لأن أكثرهم مضيق عليه في دنياه، ولأن ترك الإكرام لا ينحصر في كونه إهانة {فيقول} أي الإنسان بسبب الضيق: {ربي} أي المربي لي {أهانن} فيهتم لذلك ويضيق به ذرعاً، ويكون ذلك أكبر همه.
ولما كان نسبة هذا إليه توبيخاً وتقريعاً لقصور نظره فإن الإقتار قد يؤدي إلى سعادة الدارين، والتوسعة قد تؤدي إلى شقاوتهما، وهذا أكثر ما يوجد، قال ردعاً عن مثل هذا القول بأعظم أدوات الزجر معللاً للتوسعة والإقتار: {كلا} أي إني لا أكرم بتكثير الدنيا ولا أهين بتقليلها، لا التوسعة منحصرة في الإكرام ولا التضييق منحصر في الإهانة والصغار، وإنما أتتهم الإهانة من حيث إنهم لا يطيعون الله، وربما كان بالتوسعة، وربما كانت بالإقتار، فربما عصى فوسع عليه إهانة له، وهذا لمن يريد سبحانه به الشقاء فيعجل له طيباته في الدنيا استدراجاً، وربما عصى فضيق عليه إكراماً له لأن ذلك يكفر عنه، وفي الصحيح في حديث أقرع وأبرص وأعمى في بني إسرائيل شاهد عظيم لذلك.
ولما زجر عن اعتقاد أن التوسعة للإكرام والتضييق للإهانة، ذكر أن معيار من جبل على حب الطاعة ومن جبل على حب المعصية بغض الدنيا وحبها، فقال معرباً عن كلام الإنسان في الشقين وأفرد أولاً لأنه أنص على التعميم وجمع ثانياً إعلاماً بأن المراد الجنس {بل} أي يستهينون بأمر الله بما عندهم من العصيان، فيوسع على بعض من جبل على الشقاء إهانة له بالاستدراج ويضيق على بعض من لم يجبل على ذلك إكراماً له وردعاً عن اتباع الهوى ورداً إلى الإحسان إلى الضعفاء، وترجم هذا العصيان الذي هو سبب الخذلان بقوله: {لا يكرمون} أي أكثر الناس {اليتيم} بالإعطاء ونحوه شفقة عليه ورحمة له لأنه ضعيف لا يرجى من قبله نفع بثناء ولا غيره.
ولما كان الإنسان لا يمنعه من حث غره على الخير إلا حب الدنيا إن كان المحثوث أعظم منه فيدخره لحوائجه وإن كان مثله فإنه يخشى أن يقارضه بذلك فيحثه على مسكين آخر، وكان الإحسان بالحث على الإعطاء أعظم من الإعطاء لأنه يلزم منه الإعطاء بخلاف العكس، قال: {ولا يحضون} أي يحثون حثاً عظيماً لأهلهم ولا لغيرهم {على طعام المسكين} أي بذله له سخاء وجوداً، فكانت إضافته إليه إشارة إلى أنه شريك للغني في ماله بقدر الزكاة.
ولما دل على حب الدنيا بأمر خارجي، دل عليه بأمر في الإنسان فقال تعالى: {ويأكلون} أي على سبيل التجديد والاستمرار {التراث} أي الميراث، أصله وراث أبدلت الواو تاء، وكأنه عبر عنه به دلالة على أخذ الظاهر الذي تشير إليه الواو، والتفتيش عن الباطن المشار إليه بمخرج التاء تفتيشاً ربما أدى إلى أخذ بعض مال الغير: {أكلا لمّاً} أي ذا لمٍّ أي جمع وخلط بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يؤرثون النساء ولا الصبيان ويأكلون ما جمعه المؤرث وإن كانوا يعلمون أنه حرام ويقولون: لا يستحق المال إلا من يقاتل ويحمي الحوزة.
ولما كان ذلك قد يفعل عن ضرورة مع الكراهة قال ما هو صريح في المقصود: {ويحبون} أي على سبيل الاستمرار {المال} أي هذا النوع من أي شيء كان، وأكده بالمصدر والوصف فقال: {حبًّا جماً} أي كثيراً مع حرص وشره، فصار قصارى أمرهم النظر الدنيوي، ولم يصرفوا أنفسهم عن حبه إلى ما دعا إليه العقل الذي يعقل النفس عن الهوى، والحجر الذي يحجرها عن الحظوظ، والنهية التي تنهاها عن الشهوات إلى الإقبال على الله. اهـ.